هندسة الجينات
الهندسة الوراثية أو ما تسمى أيضا بالتعديل الوراثي هي تلاعب إنساني مباشر بالمادة الوراثية للكائن الحي بطريقة لا تحدث في الظروف الطبيعية وتتضمن استخدام الدنا المؤشب غير أنها لا تشمل التربية التقليدية للنباتات والحيوانات والتطفير ويعتبر أي كائن حي يتم إنتاجه باستخدام هذه التقنيات كائنا معدلا وراثيا. كانت البكتيريا هي أول الكائنات التي تمت هندستها وراثيا في عام 1973 ومن ثم تلتها الفئران في عام 1974، وقد تم بيع الإنسولين الذي تنتجه البكتيريا في العام 1982 بينما بدأ بيع الغذاء المعدل وراثيا منذ العام 1994.
إن الهندسة الوراثية هي التقنية التي تتعامل مع الجينات، البشرية منها والحيوانية بالإضافة إلى جينات الأحياء الدقيقة، أو الوحدات الوراثية المتواجدة على الكروموسومات فصلاً ووصلاً وإدخالاً لأجزاء منها من كائن إلى آخر بغرض إحداث حالة تمكن من معرفة وظيفة (الجين) أو بهدف زيادة كمية المواد الناتجة عن التعبير عنه أو بهدف استكمال ما نقص منه في خلية مستهدفة.
تعريف الهندسة الوراثية
تقوم الهندسة الوراثية بتعديل التركيب الوراثي لكائن حي باستخدام تقنيات تُقدّم المادة وَرُوْثِيَّة التي تحضّر خارج الكائن الحي إما مباشرة داخل العائل أو داخل خلية تدمج أو تهجن مع العائل.[1] تتطلب هذه العملية استخدام تقنيات الحمض النووي المؤشب (الدنا أو الرنا) لتشكيل تركيبات جديدة من المادة الجينية الموروثة متبوعة باختلاط هذه المادة إما بطريقة غير مباشرة باستخدام نظام ناقل أو مباشرة عبر تقنيات التلقيح المجهري وحقن الماكرو والكبسلة الدقيقة. لا تتضمن الهندسة الوراثية التربية التقليدية للنباتات والحيوانات والتخصيب في المختبر وتقديم تعدد الصيغ الصبغية والطفرات وتقنيات دمج الخلايا التي لا تستخدم الأحماض النووية المؤشبة أو الكائنات الحية المعدلة وراثيا في العملية. يمكن استخدام الهندسة الوراثية ضمن أبحاث الاستنساخ والخلايا الجذعية مع أنها لا تعتبر هندسة وراثية إلا أنها وثيقة الصلة بها. علم الأحياء التخليقي هو نظام ناشئ والذي يتقدم بالهندسة الوراثية خطوة إلى الأمام عن طريق تقديم المادة الوراثية المخلّقة صناعيا من مواد خام إلى كائن حي.
إذا ما أضيفت مادة وراثية من أنواع أخرى إلى العائل؛ فإن الكائنات الناتجة تدعى بالمعدلة وراثيا. أما إن كانت المادة الوراثية التي استخدمت هي من نفس النوع أو من نوع يمكن له أن يتناسل طبيعيا مع العائل فإن الكائن الناتج يدعى بالكائن ذي الصلة . يمكن استخدام الهندسة الوراثية أيضا في إزالة المادة الوراثية من الكائن الهدف، مما يخلق كائنا معطّلا. يعتبر التعديل الجيني في أوروبا مرادفا للهندسة الوراثية بينما يستخدم نفس اللفظ داخل الولايات المتحدة الأمريكية للدلالة على طرق التكاثر التقليدية.
نظرة تاريخية
تمكّن البشر من تعديل جينومات الأنواع لآلاف السنين عبر الانتخاب الاصطناعي وباستخدام التطفير حديثا. لم تتواجد الهندسة الوراثية كمفهوم التلاعب المباشر الذي يمارسه البشر على الدنا خارج نطاق التناسل والطفرات إلا منذ عام سبعينيات القرن الماضي. صيغ مصطلح "الهندسة الوراثية" لأول مرة بواسطة جاك ويليامسون في رواية الخيال العلمي جزيرة التنين التي نشرت عام 1951. وقد كان كل من ألفريد هيرشي ومارثا تشيس قد أكدا دور الدنا في الوراثة قبل ذلك بسنة كما وأثبت جيمس واتسون وفرانسييس كريك أن جزيء الدنا ذو تركيب حلزوني مزدوج قبل ذلك بسنتين.
في عام 1972 أنشأ بول بيرغ أول جزيئات دنا مؤشبة بواسطة الدنا المجمّع من الفيروس القردي SV40 إضافة إلى ذلك المأخوذ من فيروس اللمدا. اخترع كل من هيربرت بويرز وستانلي كوهين أول كائن حي معدل وراثيا (Transgenic) في عام 1973 عن طريق إدخال جينات مقاومة للمضادات الحيوية في بلازميد بكتيريا الإشريكية القولونية. بعد ذلك بعام، صنع رودلف جانيسش فأرا معدلا جينيا عن طريق تقديم دنا غريب في جنين الفأر جاعلا منه أول حيوان معدل جينيا في العالم. في عام 1976 تم تأسيس شركة غينيتيك وهي أول شركة هندسة جينية أسسها هيربرت بوير وروبرت سوانسون وبعد ذلك بعام أنتجت الشركة هرمونا بشريا (سوماتوستاتين) في الإشريكية القولونية. أعلنت غينيتيك إنتاج الإنسولين البشري المهندس وراثيا في العام 1978. في عام 1980، أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية في قضية دياموند ضد تشاكارباتي حكما يقضي بإمكانية أن يكون للحياة المعدلة جينيا براءة اختراع. تمت الموافقة على التصريح بإنتاج الإنسلوين الذي تنتجه البكتيريا ويدعى بالهوملوين بواسطة إدارة الغذاء والدواء في عام 1982.
جرت محاولات التجارب الميدانية لإنتاج النباتات المعدلة وراثيا في فرنسا والولايات المتحدة في عام 1986 حيث تمت هندسة نباتات التبغ بغرض جعلها مقاومة لمبيدات الأعشاب. كانت جمهورية الصين الشعبية أول دولة تسوق النباتات المعدلة وراثيا مقدمة تبغا مقاوما للفيروسات في عام 1992. في عام 1994 حصلت شركة مونسانتو على الموافقة على تسويق طماطم Flavr Savr تجاريا وهي طماطم تمت هندستها لتمتلك فترة صلاحية أطول (shelf life). في عام 1994 وافق الاتحاد الأوروبي على التبغ المهندس وراثيا ليكون مقاوما لمبيد الأعشاب برومينال مما يجعله أول محصول مهندس جينيا في أوروبا. في عام 1995، أعلنت وكالة حماية البيئة أن بطاطا بت بوتاتو (Bt Potato) آمنة مما يجعلها أول مبيد حشري للمحاصيل تتم الموافقة عليه في الولايات المتحدة. في عام 2009 تمت زراعة 11 محصولا معدلا وراثيا في 25 دولة بغرض تسويقها وكانت الدول التي تمتلك أكبر مساحات مزروعة هي الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين والهند وكندا والصين والبوروغواي وجنوب أفريقيا.
في عام 2010، أعلن العلماء في معهد ج. كريغ فينتر أنهم قد أنشأوا أول جينوم بكتيري مخلّق وأضافوه إلى خلية لا تحتوي أي دنا، وكان الجرثوم الناتج والمسمى سينثيا أول شكل من الحياة المخلقة في العالم.
مع اكتشاف الكروموسومات تم التوصل إلى معرفة الجينات على أنها أشرطة مسجل عليها صفات الكائن أو الخلية المادية. وهذه الجينات ما هي إلا سلم مزدوج من الحمض الريبي النووي منقوص الأوكسجين DNA كما يعرف بحامل الشيفرات الوراثية.
1- أن DNA هو حامل الشفرة الوراثية.
2- أن الصفات التي يحملها تترجم منه إلى بروتينات تتجسد على هيئة الصفة المطلوب تنفيذها.
3- أن كل خيط يمكن أن يكون قالباً يتكون عليه خيط جديد يتزاوج معه مستخدماً وحداته البنائية من السيتوبلازم.
4- أنه يمكن قطع ووصل هذا اللولب المزدوج بوسائل تقنية متعددة وفي أماكن مختلفة. كما يمكن بسهولة فصل زوجي اللولب.
5- أنه يمكن قص ولصق قطعة منه من مكان لآخر.
6- أن تغييراً أو تدميراً يشوه هذا النظام يؤدي إلى: إما نتيجة قاتلة للكائن أو حالة مرضية مترتبة على تعطل صفة من صفاته والتي تختلف من حيث أهميته
7- إن تركيب DNA ومكوناته هي [ سكر، وأدنين، وفوسفات ] وهذه التركيبة مشتركة في جميع الكائنات من الأحياء الدقيقة إلى الفيل.
تطبيقات الهندسة الوراثية في الطب
يمكن استخدام الهندسة الوراثية في الطب لإنتاج الإنسلوين وهرمونات النمو البشري وعقار الفولليستيم (بالإنجليزية: Follistim) (الذي يستخدم في معالجة الخصوبة) والألبيومين البشري والأضداد وحيدة النسيلة والعامل المضاد للهيموفيليا واللقاحات وغيرها من العقاقير الكثير. يتطلب التلقيح عادة حقن أشكال مضعفة أو مقتولة أو غير فعالة من الفيروسات أو السميات في الشخص الذي يجري تمنيعه. يجري تطوير الفيروسات المهندسة جينيا بحيث تظل تمنح المناعة ولكنها تفتقر إلى التسلسل المعدي. تدمج الخلايا سوية في الفئران المهجنة بغرض صنع الأضداد وحيدة النسيلة ويجري أنسنتها من خلال الهندسة الوراثية لصنع أضداد وحيدة النسيلة.
تستخدم الهندسة الوراثية لصنع نماذج حيوانية للأمراض التي تصيب الإنسان وتعتبر الفئران المعدلة وراثيا هي أكثر النماذج شيوعا فيما يخص الحيوانات المعدلة جينيا حيث تم استخدامها لدراسة وتمثيل السرطان (فأر الأورام) والسمنة وأمراض القلب والسكري والتهاب المفاصل وتعاطي المخدرات والقلق والشيخوخة ومرض باركنسون ويمكن اختبار العلاجات المحتملة مقابل نماذج الفئران هذه. كما وتتم تربية الخنازير المعدلة جينيا بغرض زيادة نجاح عمليات نقل الأعضاء من الخنزير إلى الإنسان.
إن العلاج الجيني ما هو إلا عبارة عن هندسة وراثية للبشر عن طريق استبدال جينات الإنسان المعيوبة بنسخ تعمل بكفاءة ويمكن أن يحصل هذا في الأنسجة الجسمية أو أنسجة الخط الجرثومي. إذا ما تم إدخال الجين إلى نسيج الخط الجرثومي فيمكن عندها تمريره إلى أحفاد ذلك الشخص. تم استخدام العلاج الجيني لعلاج مرضى يعانون من أوجه القصور المناعي (عوز مناعي بشكل ملحوظ) فيما استمرت المحاولات لعلاج اضطرابات جينية أخرى. ما زال نجاح العلاج الجيني محدودا إلى الآن وقد توفي مريض (ويدعى جيس غيلسينغر) خلال اختبار سريري لعلاج جديد. هناك أيضا مخاوف أخلاقية بخصوص استخدام التقنية ليس فقط من أجل العلاج بل لتحسين وتعديل أو تغيير مظهر وتكيف وذكاء وشخصية أو تصرف الكائنات البشرية.
|